تتفق معظم تقديرات العلماء على وجود علاقة بين الطعام الذي نتناوله وقدرة الجسم على مكافحة الأورام السرطانية الخبيثة , وقد ربطت الدراسات السكانية بين الاستهلاك الكبير للأطعمة النباتية ونسبة التعرض للإصابة بالسرطان . كما اكتشف العلماء منذ عقد من الزمن , فإن المركبات الموجودة في هذه الأطعمة يمكنها العمل بوسائل محدودة لإيقاف النمو السرطاني .
وبالطبع لا يوجد أحد من العلماء يعتبر الشاي الأخضر والثوم علاجاً كافياً للمرض المستفحل , وإنما الهدف من أنظمة الحمية الوقائية الجديدة هو تقليل الحاجة إلى مثل هذه العلاجات. ويقول جاينور أن تناول الأطعمة المناسبة يشبه دورها في وقف السرطان قبل أن تبدأ دور ارتداء حزام الأمان في تقليل مخاطر الحوادث الميتة للسيارات .
إن الفواكه والخضروات مليئة بالمواد المضادة للتأكسد , ويمكن لفيتامينات ” C ” و ” E ” وبيتا كاروتين المساعدة في إبطال مفعول الجزئيات التي تهاجم شريط الـ ” DNA ” الخلوي . بل إنها تساعد في حماية بعضها البعض من التأكسد , لكن الفيتامينات ما هي إلا جزء من مجموعة من المواد المضادة للتأكسد الموجودة في الفواكه والخضروات .
لقد تعرف الباحثون مؤخراً على العديد من المواد الكيماوية الموجودة في النبات والتي قد يكون لها مفعول أقوى بكثير من الفيتامينات , فالعنب والنبيذ الأحمر غنيان بمادة مضادة للتأكسد تدعى ” ديسفيراترول ” نجحت لدى الفئران بنسبة %88 ويحتوي الشاي الأخضر على العديد من المواد المضادة للتأكسد والمعروفة باسم ” بوليفينولز ” .
ويقدر الباحثون أن واحدا منها وهو مركب يدعى ” EGCG ” له مفعول فيتامين ” C ” .
وهناك أيضا صبغة اللايسوبين التي تعطي الطماطم لونها المحمر , لكن لا يمكن الحصول على الكثير منها من تناول الطماطم نيئة , وبالتالي يتعين طبخها حتى تتحر من الألياف والبروتينات المرتبطة بها ولتسهيل عملية امتصاصها من قبل الجسم . وفي العام 1995 أجريت دراسة شملت 48 ألف شخص من قبل باحثين في جامعة هارفارد , فكانت نتيجة الدراسة أن الأشخاص الذين تناول عشر وجبات من الأغذية الغنية بالطماطم من كل أسبوع قللوا من خطر إصابتهم بسرطان البروستاتا بمقدار النصف . تشير دراسات أخرى إلى أن ” اللايسوبين ” قد يساعد في الوقاية من سرطان الثدي والرئة والجهاز الهضمي .
كما يساعد ” اللايسوبين ” في الوقاية من الأضرار التأكسدية , فإن ” كبريتيد الاليل ” الموجودة في الثوم والبصل قد يساعد الجسم على معالجة المواد المسببة للسرطان بصورة أكثر أمنا .
لقد سبق وذكرنا أن أنزيمات المرحلة الأولى الكبدية تقوم بتكسير المواد المسرطنة لدى دخولها إلى الجسم وتتركها في حالة أكثر تفاعلية حتى يتم التخلص منها بواسطة إنزيمات المرحلة الثانية . إن بمقدور ” كبريتدالاليل ” تعديل نشاط المرحلة الأولى بحيث يؤدي ذلك إلى تخفيض حجم المخلفات التي يتعين على خلايا الجسم التخلص منها .
إن الثوم ليس الطعام الوحيد الذي يساعد على التعامل مع المواد المسرطنة بطريقة أسهل . كما يعمل الثوم على زيادة نشاط المرحلة الأولى , فإن الخضروات الأخرى مثل البروكلي والقرنبيط والملفوف يمكنها زيادة إنتاج إنزيمات المرحلة الثانية التي تتخلص من المخلفات الكيماوية , ويعود الفضل في ذلك إلى ” سيلفورافين ” وهي مادة كيماوية لاذعة المذاق تجدها الحشرات مادة منفرة .
لقد جرى اختبار هذه المادة على فئران حقنت بمادة مسرطنة تدعى ” DMBA ” حيث أعطيت لمجموعة من هذه الفئران . فكانت النتيجة أن الأورام السرطانية ظهرت لدى %26 فقط من الفئران التي أعطيت جرعات عالية من الـ ” سيلفورافين ” .
لكن هل يثبت هذا أن البروكلي يمنع ظهور السرطان لدى الأشخاص الذين يتناولونه ؟ بالطبع لا , لكنه يوفر ذريعة جديدة لتناول البروكلي ضمن الوجبات الغذائية .
ومع ذلك فإن تناول الشاي الأخضر والعنب والطماطم والثوم والبروكلي يساعد في الحد من تطور التلف المرشح لأن يصبح سرطاناً إلى أورام سرطانية خبيثة . وقد يلعب إتباع حمية غذائية بتجنب الإكثار من الدهون دوراً مهماً في عدم تطور المرض , فقد أظهرت الدراسات المخبرية أن خلايا الأورام تكون أقل عدائية في الحيوانات التي تتناول وجبات غذائية غنية بالدهون .
لكن الخبراء يتفقون على أن الكمية الإجمالية التي يتناولها الشخص من الدهون ما هي إلا جزء فقط من العملية فنوعية الدهون التي يتناولها الشخص لها دور كبير في احتمالات الإصابة بالمرض من عدمها , فالدهون المشبعة , رغم كل المصائب التي تجلبها على القلب والأوعية الدموية , لا يبدو أنها تؤثر على خطر الإصابة بالسرطان بطريقة أو بأخرى ويبدو كذلك أن الدهون الأحادية غير المشبعة ( كزيت الزيتون ) حميدة ولا ضرر منها , لكن نوعي الدهون المتعددة غير المشبعة ” أوميجا 6 ” و ” أوميجا 3 ” وهما قصة أخرى .
فدهون ” أوميجا 6 ” الموجودة في زيت الذرة العصفر ( القرطم ) يبدو أنها تشجع على نمو الأورام السرطانية , في حين أن دهون ” أوميجا 3 ” الموجودة في بذور الكتان وزيت السمك قد تساعد في كبح نمو هذه الأورام . وتجد الدراسات الوبائية باستمرار أن الإصابة بالسرطان بين الأشخاص الذين يتناولون الكثير من السمك حتى عندما تكون وجباتهم الغذائية فقيرة بالفواكه والخضروات , وقد أثبتت الدكتورة ليليان تومبسون من جامعة تورنتو أن حمية بذور الكتان يمكنها تقليص حجم الأورام في الفئران وتقوم لياليان الآن بدراسة مفعول هذه الحمية على المرضى المشخصات حديثا بوجود سرطان الثدي لديهن .
إن الأشخاص الأصحاء يمكنهم ببساطة تناول جرعات عالية من مضاعفات دهون ” أوميجا 3 ” لأنها يمكنها تعطيل تجلط الدم الطبيعي , لكن تناول بضع وجبات من سمك السلمون والماكيريل والتوابل كل أسبوع يمكن أن تعد خطوة حكيمة .
وتعتبر الأطعمة المصنعة من فول الصويا رهان آخر جيد خاصة إذا كنت قلقا من الإصابة بسرطان الثدي أو البروستاتا . إن أحد أقوى المشجعات عل نمو الأورام السرطانية هو هرمون الأستروجين , فالنساء المعرضات لنسب عالية من الهرمون يعانين أكثر من غيرهن من خطر الإصابة بسرطان الثدي .
ويحتوي فول الصويا على هرمونات أستروجين ضعيفة تتنافس مع الهرمونات القوية على الدخول إلى الخلية . تقوم الهرمونات الضعيفة بالالتحام مع مستقبلات الخلية التي عادة ما تجتذب هرمون الأستروجين الخاص بالجسم , لكن إشارة النمو التي تسلمها تكون بقوة واحد في الألف من قوة الإشارة الطبيعية . وهذا يعني انقسام أقل في الخلايا وبالتالي خطر أقل من احتمال نمو الورم البسيط إلى ورم سرطاني خبيث .
صحيح أن الحمية الغذائية لن تخلص العالم من مخاطر السرطان , وحتى يكتمل المزيد من الدراسات حول الموضوع , يبقى كل ما نقوله عبارة عن توقعات حول قدرتها على إبقاء الناس بصحة جيدة . ويقول أحد الباحثين : ” يمكن القول إن الحمية الغذائية في ظروف معينة يمكنها المساعدة على تقليل خطر الإصابة بالسرطان . لكن لا يمكننا القول أنها ستمنع الإصابة بالسرطان , فهناك الكثير من الأشياء التي يتوجب أخذها بعين الاعتبار ” . وعلى أي حال , تبقى الوجبات الغذائية الغنية بالخضروات والفواكه رهاناً يستحق التجربة طالما أن العلماء لا يربطون بين هذا النظام الغذائي والإصابة بأمراض السمنة والقلب والسرطان وغيرها من الأمراض , وتبقى المقامرة الحقيقية في الالتزام بتناول الوجبات السريعة والافتراض بأن صحتك ستكون على ما يرام .