التوازن ما بين الطاقة والصفات الحيوية في الجسم تؤدي للنهوض بالصحة, نظام ” ماكروبيوتيك ” الغذائي يدعو للعودة إلى الطبيعة كنظام متكامل لصحة الإنسان
كثيراً ما يرد مصطلح ” ماكروبيوتيك ” في وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزيون ، متزامنا مع زيادة التوجه العالمي الطبيعي البديل وتقنياته التي تعنى بشؤون التغذية والغذاء انطلاقا من أن ” المعدة بيت الداء ” في ظل الموجات المرضية المتدفقة وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة ، وخصوصاً أمراض القلب والسكري والبدانة والسرطان .
استعملت كلمة ” ماكروبيوتيك ” في اليونان القديمة ، وذلك بمعنى فن الصحة وطول العمر من خلال العيش بتناغم مع البيئة ، وكان أبقراط أول من أطلقها ، ومن ثم تم تطويرها لاحقاً على يد جورج وليما أوشاوا ، وميتشيو وايفلين كوشي وكثير من المعلمين اليابانيين والأوروبيين والأمريكيين .
فقد أعاد الفيلسوف الياباني جورج أوشاوا استعمال هذه الكلمة في العصور الحديثة ، بغية تصوير طريقة الحياة الصحية وإعطائها مظهر حيوياً يشعر به الشخص الذي يتمتع بصحة جيدة ، والتأكيد على أهمية العودة إلى الطبيعة في كل شيء والتركيز على الأغذية النباتية ، وأمضى القسم الأكبر من حياته وهو ينشر فلسفة الماكروبيوتيك ساعيا إلى إصلاح الأنظمة الغذائية في كل أنحاء العالم ، وواصل أصدقاؤه وتلاميذه عمله هذا منذ وفاته في أوساط الستينات .
تعريف ” الماكروبيوتيك “
يتألف هذا المصطلح من مقطعين ” ماكرو ” وتعني الضخم أو العظيم أو الطويل ، و ” بيو ” وتعني الحياة .. وهاتان الكلمتان معاً تعنيان الحياة الطويلة ، ويفسر بعبارة أخرى ، أن النظام الغذائي المناسب ، يتيح للإنسان فرصة أن يحيا حياة عظيمة مليئة بالمغامرات ، والحرية والابتكار .
ولا يقوم النظام الغذائي الماكروبيوتيكي على نظام غذائي محدد ، لأن الأنظمة الغذائية المتبعة بين شخص وآخر تتفاوت ، فكل إنسان يتميز عن الآخر ، ويعيش في بيئة مختلفة ، ولديه احتياجات متعددة ، ويمارس عملا مختلفا ، ولكنه يأخذ بعين الاعتبار تطور الإنسانية وعلاقة الإنسان بالبيئة وحاجاته الشخصية ، فهو ليس نظاماً وقائياً يهدف إلى الحفاظ على صحة جيدة وخفض نسبة الإصابة بالأمراض فقط ، بل باستخدام أيضاً كطريقة علاجية لكافة المرضى الذين يرغبون باستعمال الطرق الطبيعية للشفاء .
ويعتمد هذا النظام كطريقة غذاء وحياة تراعي قوانين الكون السبعة في التوازن ، على تحديد الأغذية التي يتوقع أن تكون مفيدة للإنسان ، والابتعاد عن الأنواع الضارة التي تسبب الأمراض، ويمكن للأشخاص المرضى والأصحاء استخدامه ، فالمرضى يستخدمونه رغبة في الشفاء بأذن الله ، والأصحاء ، رغبة في حيوية ونشاط دائم ووقاية من الأمراض ، كونه ليس نظام أكل وحسب ، بل هو طريقة حياة ، وقد نجح في علاج الكثير من الأمراض المستعصية كالسرطان ، والإيدز وأمراض القلب وغيرها .
ويتكون الجزء الأساسي من الغذاء الماكروبيوتيكي من الحبوب والحنطة ، ويكمله الخضار والبقوليات وقليل من السمك وثمار البحر والفواكه المحلية ، ولا يحبذ هذا النظام تناول اللحوم إلا في الحالات النادرة ، لأنه يعتبرها سبباً لكثير من الأمراض ويؤكد أن السكر هو العدو الأول للإنسان .
وبصورة عامة يعتبر الماكروبيوتيك نظاماً غذائياً بسيطاً يدعو للرجوع للطبيعة والابتعاد عن الأطعمة المحّضرة والمصنعة ، ويؤكد أن على كل إنسان أن يأكل من بيئته حسب المواسم والحالة الصحية ، فابن الاسكيمو يعيش على السمك ، وابن الصحراء يعيش على الغلال والبقوليات والخضار والتمر وقليل من المواد الحيوانية الطبيعية .
وبالرغم من أن مبادىء الطعام الماكروبيوتيكية تمارس في عدة حضارات تقليدية ، إلا أن الأساس الفلسفي للماكروبيوتيك يبقى دراسة التغير ، مبادىء النسبة ، أو الين واليانغ ( الأنثى والذكر ) ، على وجه الخصوص ، وهي اساس كل الفلسفات الشرقية والثقافات والفنون والطب .
وقد تشكّل نظام الماكروبيوتيك في العقود القليلة الماضية ، الدافع الأساسي للتغيرات الحالية في كثير من نظم الحياة وأساليبها لاسيما فيما يختص بالتغذية ، فقد عرّف بالزراعة العضوية وساعد على انتشارها ، وركز على الأغذية الطبيعية الكاملة كالحبوب الكاملة مثل الأرز الأسمر والقمح الكامل ( النخالة ) ، والشوفان والحنطة السوداء ومشتقات فول الصويا كالميزو والتفو والشويو ( صلصة الصويا ) ، والخضار الطازجة ، إلى جانب الطحالب البحرية كالنورى والكومبو وأعشاب بحرية أخرى ، وأخيراً التوابل والمنكهات والوجبات الخفيفة والمشروبات الصحية .
النظرة الفلسفية للماكروبيوتيك
بينت الفلسفة الأصلية لمصطلح ( حميات الماكروبيوتيك ) على آراء طبية صينية قديمة تعني التوازن ما بين عناصر الطاقة والصفات الحيوية الكامنة في الجسم مما يؤدي إلى النهوض بالصحة وتطويرها .
وينظر هذا النظام للإنسان على أنه جزء مما حوله من أرض وسماء يؤثر بها وتؤثر به ، وهو ليس مفصولا عما حوله ، بل معتمد على الشمس والهواء والماء والأرض والنار ويرتبط بها ويتناولها عن طريق النبات والهواء والماء .
وتكمن نظرة الماكروبيوتيك في أن الصحة تعتمد على ما نأخذه ونتناوله من البيئة المحيطة بنا ، ولكن الإنسان قد لا يكون له السيطرة على بعض العناصر كالهواء ، ولكنه يستطيع السيطرة على عناصر اخرى ، كاختيار ما يأكل ويشرب .
ويعتبر الغذاء العامل الأساسي المؤثر في صحة الإنسان وسعادته ، وعليه ، فإن الماكروبيوتيك يشجع علىالتوازن والتناغم بين الين واليانغ ( الأنثى والذكر ) ، والمحافظة عليه خلال تناول الغذاء الصحي ، مما ينعكس إيجابياً على الصحة ، بمعنى أن المرض ينشأ من عدم تناول الغذاء المتوازن ، فهو إما يميل كله إلى الين أو يميل كله إلى اليانغ ، وهو ما يفسر الأمراض المزمنة بأنها ناتجة من عدم التوازن لمدة طويلة .
وبالتالي ، فإن الاعتماد على الغذاء الطبيعي في تنمية اجسادنا وعقولنا ، بروح من الشكر والعرفان ، يساهم في الحصول على صحة جيدة ، ومجتمع افضل .
الغذاء المتوازن من وجهة نظر الماكروبيوتيك
يعتمد مبدأ الغذاء الماكروبيوتيكي على أن الإكثار من استهلاك الإنسان للمنتوجات النباتية والإقلال من المنتوجات الحيوانية يفيد صحته ، لذا فهو يتألف من 50- 60 في المائة حبوب وغلال و 25 – 30 في المائة خضار ، ويجب أن تنبت في المناطق القريبة وتؤكل في موسمها وطبيعية ، وأن يتم طهي ثلثيها على البخار أو في الفرن ، أما الثلث الباقي فيؤكل نياً أو سلطات و 5 في المائة حساء يحتوي على الميزو أو تماري ، وأن لا يكون مالحاً ويتكون من أعشاب بحرية وخضار وفاصوليا وحبوب مع تنويع وصفات التحضير دائماً ، و 5 – 10 في المائة بقوليات كالأزوكي والحمص الأخضر ( أم قليباني ) ، والعدس والصويا والفاصولياء السوداء ,على أن تستعمل أنواع الفاصولياء الباقية قليلاً ، وأعشاب البحر التي يجب أن تحضر بعدة طرق ويمكن أن تزين باعتدال بالتمارى أو الملح البحري ، إضافة إلى المشروبات ، كالشاي والقهوة الهندية وقهوة الحنطة ، والزهورات التي يجب أن تحتوي على أي عطر أو تحتوي على أي مفعول منبه ، وبهذا تكون المحصلة ما يقارب 73 في المائة من الكربوهيدرات ، و 15 في المائة من الدهون و 12 في المائة من البروتينات ، ويمكن أن يزاد عليه تناول مرة أو مرتين في الأسبوع كمية صغيرة من السمك ذي اللحمة البيضاء أو بعض الصدف ، بحيث يكون مجموع السمك أقل من 15 في المائة من الوجبة .
كما يجب أن تتغير طريقة الطهي كل أسبوع ، باستخدام الزيت النباتي مثل السمسم والذرة وبكميات قليلة ، وأن يكون الملح بحرياً وغير مكرر ، وإضافة الفاكهة المطبوخة إلى الغذاء مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع ، بشرط أن تأتي من المناطق المحيطة بنا وتؤكل في موسمها .
وتختلف نوعية هذا الغذاء من منطقة إلى أخرى ، بحسب مبادئه التي تؤكد ضرورة أن يتواءم الإنسان مع البيئة المحيطة به ، لذا يجب أن يكون أكل الإنسان من ما حوله ، فالشخص الذي يعيش في المناطق الحارة لا بد أن يكون أكثر ميلا إلى الين ( الأنثى ) أي باستهلاك النباتات المتكيفة مع البيئة الحارة وبصورة طبيعية ، كالفواكه الاستوائية التي لها مفعول مبرد على الإنسان ، لذا فهي الأفضل للمناطق الحارة والعكس للباردة ، أما الإنسان الذي يعيش في شمال أوروبا ، فيجب أن لا يأكل منها . ويؤكد خبراء الماكروبيوتيك ضرورة عدم تناول الفواكه في غير مواسمها ، لأنها مرشوشة بمواد كيماوية محفوظة وتكون غير ناضجة ، والابتعاد عن الباذنجان والبطاطا ، فهي من نباتات الين المتطرفة جداً ، وإن كانت من نباتات المناطق الحارة ، وخصوصاً لمرضى السرطان ، والتقليل من الأغذية الحيوانية في المناطق الحارة ( الأسماك ) ، وتركيز غذاء الصيف على الخضروات كالخس والبازلاء الخضراء ذات التأثيرات المبردة .
أما الحبوب ، فتعتبر متوازنة ، لأنها بين الين واليانج لذلك تؤكل حول العالم وفي كل الفصول ، ولكن عند السفر إلى مناطق أخرى في العالم ، فلا بد من التكيف على أكل الطعام الخاص بتلك المنطقة ، فالسفر للاسكيمو مثلاً ، يحتاج إلى أكل الأسماك المليئة بالدهون ، وأكل الكاري في الهند ، والتمر في الخليج والجزيرة العربية ، وهكذا .
وأوضح الخبراء أن حاجات الأفراد من الغذاء تختلف من شخص إلى آخر ، فالأشخاص الذين يقومون بأعمال بدنية كالزراعة أو العمال ، يحتاجون إلى غذاء يانغ ( ذكر ) ، أكثر لمقابلة هذا الجهد البدني ، في حين يحتاج الأشخاص الذين يقومون بأعمال ذهنية كالكتابة والرسم ، إلى أغذية ين ( أنثى ) أكثر لتقابل الجهد الذهني المبذول .
وتكون قوى ( ين / أنثى ) ، قوة نابذة تسبب التوسع والشعور بالبرودة تماما كما يحدث في السلق والبقدونس والخس وورق الزهرة ، وقوى ( يانغ – ذكر ) ، قوة جاذبية تسبب الانقباض والشعور بالدفء تماما كما يحدث في الزيتون والفجل والكوسا واللفت والجزر .
ويمكن تصنيف الأمراض أيضاً حسب اعراضها كذكر أو أنثى ومعرفة أعراض المرض وخصائص كل نوع غذاء ، يمكن عندئذ استعمال هذه الأغذية للشفاء من المرض بدون أدوية ، ويصبح كل شخص حكيم نفسه .
الاعتراف بالفوائد
وقد أصبح نظام الماكروبيوتيك العام معروفا لدى معظم الناس ، ويتجه العديد منهم أكثر فأكثر إلى الاعتراف بفوائده , خصوصاً بعد أن أكد الباحثون في كلية الطب بجامعة هارفارد الأمريكية ، أن الأشخاص الذين يتبعون هذا النظام لمدة سنتين على الأقل تنعدم لديهم تقريباً نسبة الإصابة بمرض الشريان التاجي ، وهو السبب الرئيسي للوفيات في مجتمعنا اليوم .
وأجمع الخبراء على أن هذا النظام الذي يتكون أساساً من الحبوب الكاملة والخضار المتنوعة ، بالإضافة إلى القليل من البقول والسمك والشوربات وأحياناً الفواكه ويتميز بأنه غني بالمعادن والفيتامينات الطبيعية بسبب الخضار ، والألياف بسبب الحبوب الكاملة التي تساعد على طرح السموم من الجسم عن طريق الأمعاء والكليتين ، لا ينتج سموماً في الجسم ، وإنما على العكس تماما ، فهو يساعد على طرح السموم منه ، بعكس المنتجات الحيوانية التي تترك وراءها مخلفات سامة مؤذية .
وقد دعمت الدراسات هذه الفكرة ، حيث تبين أن الماكروبيوتيك يساعد بالفعل على الازالة التدريجية للمواد السامة وتنظيف الجسم ، وبالتالي التخلص من المرض ، ولكن تطبيقه عشوائياً قد يسبب الأذى بدل النفع .
وقد يستفيد مرضى السرطان أيضاً من هذا النظام الطبيعي ، فقد اكتشف العلماء في جامعة تولين نيوأورليانز ، والمعهد القومي للأورام في ميلانو بإيطاليا ، خلال دراستهم لحوالي 18 شخصاً مصابين بسرطان البروستات وبعض أعضاء الجسم الأخرى ، اتبع 9 منهم نظام الماكروبيوتيك ، أن هؤلاء المرضى عاشوا ما يقرب من 14 سنة ، مقابل سبع سنوات للتسعة الباقين الذي لم يغيروا نظام غذائهم ، وهو ما يدل على ان نظام الماكروبيوتيك قد يساعد في الحد أو الوقاية من الأورام السرطانية ، كما وجد الباحثون في مركز نيو اجلند الطبي في بوسطن ، أن النساء اللاتي يتبعن هذا النظام اقل عرضة للإصابة بسرطان الثدي .
وكان معهد الصحة الوطني الأمريكي ، والمركز القومي للطب البديل والطب التكميلي ، وقد أعد دراسة بالتعاون مع الباحثين في جامعتي مينيسوتا وكولومبيا ، عن 76 مريضاً شفوا من مرض السرطان بمساعدة نظام الماكروبيوتيك .
كما أثبتت دراسات طبية أن لهذا النظام تأثيراً إيجابياً في رفع مستوى التغذية عند الأطفال والتخفيف من حدة التصرفات العنيفة والعدوانية بين الأحداث ، والتحكم في خلايا المناعة عند الشباب المصابين بالإيدز ، وتحسين صحة المسنين والصحة النفسية ، والتقليل من أعراض الحساسية ضد المواد الكيماوية المختلفة .
وعلى الرغم من أن الهيئات الطبية الحديثة مثل المعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة الأمريكية ، يسلم بدور الغذاء في الوقاية من السرطان ، لكن معظم الأوساط لا تؤمن بأن معالجة السرطان قد تكون بالغذاء كما هو الحال مع الماكروبيوتيك ، ومع ذلك ، فقد حقق الماكروبيوتيك نجاحات واسعة في الولايات الأمريكية المتحدة على الرغم من المصاعب التي واجهتها من اللوبي الصناعي ، على اعتبار أن مرض السرطان نتيجة للمدنية خصوصاً في الغذاء غير الصحي الذي نتناوله ، فإذا أصبح الطعام غير متوازن ، تبدأ جودة الدم بالتدهور ، وربما تصبح خلايا الجسم بالنتيجة معتلة وحتى سرطانية ، وبالتالي فإن عافية الخلايا تعتمد على جودة العناصر الغذائية التي يتلقاها الجسم . ويعتبر سرطان الثدي الذي يمكن أن يصيب النساء والرجال ويعد المرض الأكثر انتشاراً أسهل انواع السرطان التي يمكن شفاءها بسرعة عن طريق الماكروبيوتيك .
ويتمثل الأساس في هذا النظام الطبيعي في أن الدهنيات الحيوانية تتجمع داخل عمق الجسم ( في الأوعية الدموية والأعضاء مثل المبيض والبنكرياس والعظام ) . كما تتراكم الدهنيات الحيوانية القاسية في الجزء السفلي من الجسم مثل البروستات والقولون والشرج ، بينما تتراكم الدهنيات الفائضة عن حاجة الجسم التي تأتي من الحليب والسكر والشوكولا والكربوهيدرات البسيطة في الأجزاء القلوية من الجسم مثل الثديين والجلد .
وعلى هذا الأساس ، يتطور سرطان البروستات بسبب الإفراط في استهلاك اللحوم والأجبان والدواجن والبيض ( اليانغ / الذكر ) لأنه يسرع إنتاج هرمون التستوسترون ، الذي يساعد بدوره في نمو السرطان في الجزء السفلي من الجهاز الهضمي أيضاً ، أما سرطان الثدي فيتطور من الاستهلاك المفرط للحليب والآيس كريم والزبدة والسكر المكرر والجبنة الطرية والشكولا ( الين / الأنثى ) ، لأنه يزيد من إفراز هرمون الاستروجين الذي يشجع بدوره نمو السرطان الجزء العلوي من الجهاز الهضمي .
وارجع الخبراء إلى أن قابلية اليابانيين للإصابة بسرطان المعدة تعود إلى تناولهم كميات كبيرة من السكر والمواد الكيميائية المضافة إلى الأرز الأبيض المعالج كيميائياً ( أقصى الين ) بينما تعود إصابة الأمريكيين بسرطان القولون إلى استهلاك كميات كبيرة من اللحوم والبيض والأجبان وغيرها من المأكولات الحيوانية ( أقصى اليانغ ) .
أما الباعث لتطور سرطان الجلد واللوكيميا ، فهو الاستهلاك المفرط للمأكولات والمشروبات المائلة إلى ( الين ) كالغنية باسكر والآيس كريم والمشروبات الغازية والحليب والاضافات الكيميائية .
وخلاصة القول ، أنه إذا زاد الطعام المتناول إلى المستويات التي لا يستطيع الجسم التعامل معها إما بتحويلها إلى طاقة أو بطردها إلى الخارج ، تتراكم الكميات الزائدة مع مرور الوقت تحت الجلد ثم إلى أعماق الجسم ، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الكوليسترول في الجسم ، وبذلك تتأثر الكليتان والرئتان ويفاقم مشكلة نقاوة الدم .
ومع استمرار وجود المواد الزائدة والسموم في الدم ، تستمر عملية تجمع الخلايا غير الطبيعية ، فتبنى الأورام السرطانية وتنتشر في أجزاء الجسم المختلفة .
من جانبه ، أوضح الدكتور أدلبرت نيلسون ، مدير معهد كوشي الأوروبي للماكروبيوتيك ، أن هذا النظام يساعد على تخسيس الوزن حيث يقلل من نسبة الكوليسترول في الدم بطريقة صحية ، فهو ليس نظاماً طبياً معالجاً فقط بقدر ما يقدم النصائح الصحية التي تجنب الأفراد الكثير من الأمراض ، كما يساعد في المحافظة على الصحة والجمال في ذات الوقت ، حيث تظهر صحة الجسم على مظهر الإنسان مثلما يظهر المرض على الإنسان تماماً .
وأضاف أن لكل مرض مؤشرات تظهر في وجه الإنسان أو عينيه أو في أي عضو خارجي ، فمثلا ترتبط الهالات السوداء أسفل العينين بالإنسداد في الأوعية الدموية أو المشكلات الصحية في الكلى ، ومن هنا نجد أن الماكروبيوتيك يخلق توافقا في جسم الإنسان ككل ، الأمر الذي يحقق الصحة والجمال والتوازن الغذائي .
أساس الماكروبيوتيك
إن هذا النظام الغذائي الشمولي لا يقتصر على مجرد كونه وسيلة أخرى من وسائل الشفاء عن طريق الغذاء ، بل إن مبادئه التي يتم تطبيقها على الأطعمة والتغذية والصحة تعد أفضل وأقوى الأساليب الوقائية والعلاجية .
ويؤمن المايكروبيوتيك بأن الأسباب الحقيقية وراء الأمراض هي الطريقة التي يعيش فيها الإنسان سواء على مستوى الغذاء أو السلوك أو الأفراد المحيطين به أو رضائه عن نفسه أو من حوله أو مجتمعه ، وحتى حياته الروحية ومدى قربه من الله عز وجل ، فيمكن أن يصاب الكثير من الناس بالأنفلونزا مثلا أثناء انتشارها في فصل الشتاء ، في حين لا يلتقط البعض العدوى رغم وجود المرضى حولهم ، وقد نجد كذلك نجد بعض الأشخاص يحملون فيروسات لأمراض معدية وينقلونها لأشخاص آخرين دون أن يصابوا أنفسهم بالمرض .
ويفسّر الماكروبيوتيك ذلك بأن هذا الشخص السليم لديه حالة توازن ، من خلال اتباعه نظاما غذائياً يعطي جسمه هذا التوازن والقوة التي لا تسمح بتكاثر هذه البكتيريا والفيروسات بعدم تهيئة البيئة المناسبة لنموها ، دون اللجوء إلى الأدوية الكيماوية التي عاش الإنسان لآلاف السنين بدونها واستطاع البقاء على قيد الحياة رغم الوضع الصعب . فعلى سبيل المثال ، كان متوسط أعمار المسلمين في زمن الرسول ، يتراوح بين 60 – 70 عاماً ، ويزيد في حالات أخرى ، وذلك لأن أوضاعهم البيئية مختلفة بسبب اعتمادهم على الطبيعة والعلاج بالأعشاب التي لا تعالج عضوا واحدا فقط وتؤثر وتفسد عضوا آخر كما هو الحال في الأدوية العصرية الحديثة التي تتسبب في الكثير من الآثار الجانبية ، بل يعالج كل الأعضاء دون التأثير على الآخر ويعيد للجسم توازنه ويخلصه من السموم .
وقد انتشر العلاج بالماكروبيوتيك في كثير من بلدان العالم مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا والبرتغال وغيرها ، وألفت العديد من الكتب في هذا المجال وطبعت مئات المرات وترجمت إلى الكثير من اللغات .
الماكروبيوتيك للأطفال
أما تغذية الأطفال الرضع في الماكروبيوتيك ، فتعتمد على حليب الأم الذي ينقل الذكاء والإحساس ويقوي الصلة بين الطفل وأمه ، ويضمن نموه نموا قويا وصحيا ، بينما يكون الأطفال الذين يتناولون حليب البودرة ميالون أكثر عرضة للإصابة بالإسهال ومشكلات هضمية ، وتكون مناعتهم للأمراض والالتهابات أضعف ، كما أن فرصهم للحياة حتى ما بعد السنين الأولى أقل .
ويعتبر حليب الأم غذاء للأطفال الرضع من الولادة إلى 6 شهور ، لحمايتهم من الفيروسات والجراثيم ، لأنه يعطيهم مناعة جيدة ضد الالتهابات بسبب احتوائه على مضادات معينة تكافح نمو الجراثيم غير المرغوب فيها التي تسبب أمراض ريكيتسيا والحمى التيفية وشلل الأطفال وفيروس الأنفلونزا والسالمونيلا وجراثيم الالتهابات المعوية والتهابات البلعوم وغيرها من الالتهابات .
وقد أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يعطون حليب البقر هم الأكثر عرضة لأمراض الجهاز الهضمي وتكون المناعة لديهم أقل من الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم وبذلك يكونون عرضة للأمراض المعدية أكثر ، لذا يجب أن لايأخذ الطفل حليب البقر على الأقل في السنتين الأوليين من عمره .
وأوضح الأخصائيون أن الفروقات الكثيرة بين حليب الأم وحليب البقر تدعو إلى عدم تغذية أطفالنا منه ، فعلى سبيل المثال ، يحتوي حليب البقر على ثلاثة أضعاف ما يحتويه حليب الأم من البروتين وأربعة أمثال ما يحتويه حليب الأم من الكالسيوم ، بينما يحتوي حليب الأم ضعف ما يحتويه حليب البقر من الكربوهيدرات وهو ما يفيد ويغذي المخ والأعصاب ، ومن هنا يتضح أن تركيبة حليب البقر تعمل على النمو البدني السريع للعجل على حساب النمو العقلي ، أي المخ والأعصاب ، وهو ما لا يحتاجه العجل ، بعكس الإنسان ، لذا نلاحظ أن الأطفال الذين يتغذون على حليب الأم هم اكثر ذكاء .
وبما أن صحة الطفل تعتمد على حليب الأم ، لذا يجب أن تكون الأم في صحة ممتازة ، فأي تغيير في غذائها ينعكس على حليبها الذي ينعكس بدوره على صحة الطفل ، فالحساسية والإحمرار عند الطفل في منطقة الحفاض مثلا تنتج عن تناول الأم لأطعمة الين مثل الإفراط في تناول السكريات والفواكه والبهارات ، وبالتالي فإن تلك الأعراض ستختفي إذا تجنبت الأم هذه الأطعمة .
أما إذا أكثرت الأم من تناول اطعمة اليانغ كاللحوم والبيض والأسماك ، فسيصبح الطفل ذو سلوك يانغ أكثر ، أي شديد الحركة ، قليل النوم ، شره في الأكل ، وبالعكس عندما تفرط الأم في تناول اطعمة الين ، كالعصائر والحلويات سيكون الطفل ذا سلوك ين أكثر . هادئاً أكثر من اللزوم ، قليل النشاط ، كثير النوم والصراخ ، لذا فإن تغيير الأم لنوعية غذائها يؤدي إلى تغير ملحوظ في صحة طفلها .
وينصح نظام ماكروبيوتيك بإعطاء الطفل في 6 شهور إلى 8 شهور ، حين تبدأ أسنانه بالظهور ويصبح لديه رغبة في تناول الطعام ويبدأ وضع ما تصل إليه يده في فمه ، الطعام الصلب الذي يجب تحضيره خصيصاً للطفل دون ملح ، ويعطي رز لين مع مائه الذي أشبه ما يكون بحليب الأم ، وكذلك حساء الخضار المصنوع من الخضار الحلوة واللينة كالجزر والبروكلي وعصير التفاح في بعض الأحيان ، بحيث تتحقق الموازنة بين هذه الأغذية بأن تشكل الحبوب حوالي 50 في المائة ، والخضار والحساء الـ 50 في المائة الأخرى .
أما في فترة 8 أشهر إلى سنة من عمر الطفل ، فينصح أن تبدأ الأم يتقليل عدد رضعات الطفل من ثديها وتعوضه بالطعام الصلب ، فإلى جانب حبوب الأرز ، يمكن إعطاؤه التوفو المطبوخ جيداً وقليلاً من أعشاب البحر التي يتم طبخها جيداً ، وبعض البقوليات الخضراء المطبوخة جيداً والمهروسة ، والفواكه كالتفاح والكثمري والزبيب بعد طهيها قليلاً .
وبعد تجاوز الطفل السنة الأولى من عمره ، ليس هناك حاجة لفصل طعام الطفل عن طعام الكبار ، على أن يعطى في البداية بعض اطعمة الكبار التي لا تحتوي على البهارات والأملاح تدريجياً .
ملاحظات ومحاذير
يعتبر نظام الماكروبيوتيك العام ونظاما واسعا ومتنوعا ، يحتوي بشكل رئيسي على الحبوب الكاملة والخضار ، وهذا مناسب في حال كون الشخص الذي يرغب باتباعه لا يعاني من الأمراض ، أما في حال وجود مرض ما ، فلا بد من تعديله ليلائم الحالة المرضية الموجودة فمثلاً ، لا يستطيع مريض مصاب بحساسية أو بالتهاب أمعاء ، مثل التيفوئيد من تناول القمح الكامل أو أغلب أنواع الخضار مثل البقدونس وغيره ، لذا لا بد له أن يتبع نظاما غذائيا ضيقاً ودقيقاً حتى تتحسن حالته ، ويتخلص من المرض ، وعندئذ يتم تعديل النظام مرة أخرى وتوسعه حسب تطور الحالة الصحية ، وكذلك الحال لمرضى السرطان أو تشمع الكبد وغيرهم ، فكل مريض يحتاج إلى نظام غذائي يناسب حالته الصحية .
كما أن هناك بعض الأغذية التي تشكل جزءا من نظام الماكروبيوتيك مثل الميسو والأميبوشي والجوماشيو غير المتوفرة في منطقة الشرق الأوسط ، أو متوفر بسعر باهظ ، لذا يمكن استخدام بدائل هذه الأغذية اليابانية مثل المخللات التي تكافىء الميسو ، والزيتون الأخضر الذي يكافىء الأوميبوشي ، والزعتر المطحون الغني بالسمسم الذي يكافىء الجوماشيو .
ولا يعتمد هذا النظام على المحتويات من العناصر الغذائية المتوفرة في الأطعمة بل يعتمد على اللون والشكل والوزن والحجم والطعم والقوام ودرجة الحرارة والحموضة ومحتوى الأطعمة من الماء وطريقة الطهي وطريقة الإطعام .
ويرى بعض الأطباء أن نظام الماكروبيوتيك يفتقر إلى عنصرين مهمين في الأغذية الصحية المتوازنة ، هما ، عدم التنوع لأنه يمنع تناول الحليب واللحوم الحمراء وبعض الخضروات ، وعدم التوازن حيث يفرط في تناول الألياف ويقلل جداً من نسبة تناول البروتينات والدهون والسوائل ، المر الذي قد يؤدي إلى الجفاف ، وهذا يمثل خطورة على صحة وحياة الفرد .
وتحذر الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ، من إعطائه للصغار ، لنقص عنصر الكالسيوم فيه ، وكذلك فيتامين (D) ، حيث تفيد الأبحاث العلمية إلى ظهور حالات لين العظام والكساح لدى الأطفال عند اتباع هذا النظام الغذائي ، ونظراً لانخفاض نسبة البروتينات والسعرات الحرارية فإنه يؤدي إلى سوء التغذية ، ولا ينصح بالاستمرار في تناوله للبالغين ، كونه يفتقر إلى العديد من العناصر الغذائية الهامة مثل فيتامينات (C) و (D) و ( B12 ) والكالسيوم .
ومن هنا ، قد تتفوق أضرار الماكروبيوتيك على فائدته ، وقد ينتهي إذا مورس لفترات طويلة بكثير من الأمراض كفقر الدم والتقزم وعدم كسب الوزن والطول الطبيعيين في مرحلة النمو ، بالإضافة إلى نقص الفيتامينات ، وبالتالي فهو لا يصلح كنظام حمية مدى الحياة .