لا تقتصر مضار البدانة والسمنة عند مجرد تشويه الشكل والمظهر الخارجي لجسم الإنسان ، بل تتعدى ذلك إلى إمكانية التخريب والإضرار بالأعضاء الداخلية الرئيسة لهذا الجسم .
فقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة العلاقة الوثيقة بين البدانة وأمراض عدة ذات آثار وخيمة على صحة الإنسان .
فمن بين الأمراض الناجمة عن البدانة نجد في مقدمتها ترسب الكوليسترول الضار في الأوعية الدموية وما يتبعه من ارتفاع ضغط الدم وأثره الواضح على القلب وحدوث الجلطات .
وتضم قائمة الأمراض الناجمة عن البدانة أيضاً ، مرض السكري النوع الثاني وكذلك السرطان وأوجاع الظهر والمفاصل والروماتيزم وحصوات المرارة والكلى وتراكم الدهون على الكبد والشخير وصعوبة التنفس والعقم والاكتئاب والتعرق الشديد.
وتشير أحدث الدراسات إلى ظهور علاقة وثيقة بين البدانة ومرض الزهايمر ” الخرف”.
إذاً : فالبدانة لا يمكن الاستهانة بها أو الاستهتار في مواجهتها.
يضاف إلى ذلك ما تمخضت عنه الإحصاءات الصحية المحلية عن إظهار أن % 75 من سكان الإمارات يعانون من السمنة بسبب طريقة المعيشة اليومية لغالبيتهم والتي تخلو من الحركة ، حيث يقضي معظم الناس يومهم . إما جالسين خلف المكتب في العمل أو أمام مقود السيارة أو أمام التلفزيون في المنازل .
لذلك نشأت رغبة ملحة لدى عدد كبير من الناس في التخلص من السمنة والبدانة ، ومن ثم ظهر من يحاول الاستفادة من هذه الرغبة وفتحت مراكز كثيرة تدعي مقدرتها على علاج السمنة في وقت سريع جداً باستخدام هرمونات وأدوية كيميائية . إما لإذابة الدهون بسرعة أو لكبت الشهية .
فقد لجأ بعض هذه المراكز لاستخدام هرمون التيروكسين الذي تفرزه الغدة الدرقية وإعطائه بكميات كبيرة لمن يعالجهم، فكانت النتيجة إصابة الغدة ، بالكسل وتحرك الدهون الذائبة بسرعة تفوق مقدرة الجسم على استيعابها، ما أثر على الكبد والكلية، مع ظهور ترهل في الجلد في الأماكن التي تحرك الدهون من تحتها .
لا للأدوية والكيماويات
هناك مراكز أخرى للتخسيس ترفع شعار لا للأدوية والكيماويات، لا للعمليات الجراحية ، لا للحمية الغذائية القاسية، لا للحرمان من الأغذية المفضلة لدى الإنسان الذي نعالجه.
هذا ما صرحت به مديرة فرح أحد مراكز التخسيس التي يتواجد لها فروع دبي وأبو ظبي والشارقة ، والتي في الواقع صالونات تجميل تتعامل مع البشرة والشعر ، وأضافت أعمال التخسيس إلى نشاطها ،
أضافت هذه المديرة قولها لـ ” صحتك ” لدينا برنامج ، أما لأنقاص وزن الجسم بالكامل أو لتخفيف أجزاء معينة كالبطن أو الأرداف أو غيرهما.
ويعتمد أسلوبنا على التمارين الرياضية والحمية الغذائية الخفيفة التي تسمح بتناول كل أنواع الطعام ولكن بكميات معتدلة .
كما نستخدم الأحزمة الكهربائية التي ترسل ذبذبات تعمل على إذابة الدهون والشحوم ونقوم بتحريك هذه الدهون والشحوم عن طريق التدليك والمساج بطريقة الإيروفيديا المعروفة في الهند منذ آلاف السنين. وتستخدم فيها بعض المراهم والزيوت والكريمات الهندية .
وعادة ما يتبع إذابة الدهون وتحريكها حدوث فراغات في أماكن تجمعها، ومن ثم يحدث ترهل للجلد في هذه الأماكن، ويحتاج ذلك إلى إجراء جلسات أخرى لشد الجلد المترهل . لذلك فإن أسلوبنا يحتاج إلى وقت طويل نسبياً لكي يأتي ثماره وقد بستغرق ذلك عاماً كاملاً وبالطبع فهو مكلف ، حيث تصل تكلفته على مدار سنة إلى نحو 22 ألف درهم .
وحتى لا تعود الدهون إلى أماكنها السابقة لا بد وأن يظل الزبون على صلة دائمة بالمركز لأخذ التعليمات وتنفيذ التوجيهات التي تعطي له مع أخذ بعض الجلسات من وقت إلى آخر .
بعد هذا الاستعراض السريع لأقوال مديرة مركز التخسيس نلاحظ أنهم في مراكزهم المنتشرة في دبي وأبو ظبي والشارقة يستخدمون زيوتاً ومراهم وكريمات توضع على الجلد قد تتسبب في حدوث التهابات وتحسس وأمراض جلدية لعدد من الأشخاص، ناهيك عن طول مدة العلاج والابتزاز المالي الذي يصاحبها .
رياضة المشي
رفض الأساليب التجارية
وفي لقاء معها قالت منى الشمار، اختصاصية تغذية سريرية في مستشفى راشد: إن المستشفى يعالج البدانة من دون أهداف ربحبة ، وقد تلقينا العديد من الحالات يعاني أصحابها من أمراض الكبد والكلية وضغط الدم نتيجة ترددهم على المراكز التجارية لعلاج السمنة . ويقوم المشفى باستقبال كل من يرغب في علاج البدانة . حيث يقوم بعمل التحليلات اللازمة ، ومن أهمها قياس كتلة الدهون في الجسم ومقارنة الطول بالوزن وتحديد الوزن المناسب للطول ومن ثم معرفة عدد الكيلوغرامات الزائدة لدى الشخص .
وقبل أن نبدأ في التعامل مع السمنة نطلع على الأمراض التي يعاني منها الشخص عن طريق تحليل الدم وغيره من التحليلات الأخرى، ونعالج هذه الأمراض أولاً ، وننتقل بعد ذلك إلى علاج البدانة عن طريق التغذية السريرية الصحية ، فنقوم بحساب السعرات الحرارية التي يحتاجها المريض يومياً ، ثم نصمم له الوجبات الغذائية التي تلبي هذه الاحتياجات مع الحرص على تحقيق التغذية المتوازنة التي تزود الجسم بكل ما يلزمه من معادن وفيتامينات وغيرها من مجموعات غذائية رئيسة ، مثل البروتينات الحيوانية والنباتية والنشويات والألياف والسكريات ، على أن تكون من مصادر طبيعية ، كالفواكه والخضراوات وعصائرها والبعد عن المياه الغازية والعصائر الصناعية المعلبة لما تحتويه من مواد حافظة ومواد ملونة وكميات كبيرة من السكر وإلزام المريض باستخدام المياه العادية من دون إضافات .
ويكون هدفنا النهائي مع المريض هو تحقيق التوازن بين المخلات والمخرجات من السعرات الحرارية ، لذلك يكون لممارسة الرياضة نصيب واضح في برنامج العلاج . ومن أبسطها المشي مع التدرج في المدة والمسافة .
وحذرت في نهاية حديثها من تناول وجبة العشاء والنوم بعدها مباشرة ، حيث يتولد عنها سعرات حرارية لا يتم حرقها ،ولكن يتم تخزينها داخل الجسم على هيئة دهون متراكمة .
كما أعادت التحذير من تناول المستحضرات التي تتسبب في فقدان الجسم للسوائل والمعادن غيرها من المواد الضرورية والأساسية دون إذابة الدهون ، مع المخاطرة بإصابة الجسم بالجفاف .
فمن أجل السعي لإنقاص الوزن كيلوغرامات نعرض أنفسنا إلى ما لا تحمد عقباه.
ممارسات يومية خاطئة
نحن سكان الإمارات نعيش نمط حياة غير سليم ومملوء بالأخطار . ونعرف البدانة ، فمنذ سنوات عدة كنا نقيس طول الإنسان بالسنتيمترات ، ثم نطرح 100 سم من هذا الطول فنحصل على الوزن المناسب لهذا الطول، ولكن يجري الآن استخدام مقياس آخر، هو قسمة مربع الطول بالمتر على الوزن بالكيلوغرام , فإذا كان في حدود 25 فيعتبر في مرحلة السمنة الأولى ، ومن 31 إلى 34 في مرحلة البدانة الثانية و 35 درجة فما فوق تعتبر بدانة مفرطة .
إضافة إلى مقياس البدانة السابق، هناك مقياس آخر لقياس درجة تراكم الدهون في منطقة البطن، وهو للرجال يتراوح ما بين 92 إلى 102 سم ، وبالنسبة للنساء يتراوح ما بين 82 إلى 92 سم. وما زاد عن ذلك يعتبر مؤشراً على الدخول في مخاطر البدانة.
ونضيف إلى أن نمط الحياة التي نعيشه حالياً له دخل كبير في انتشار السمنة بيننا فشيوع تناول الوجبات السريعة والمقليات في الزيوت المشبعة وزيادة تناول المعجنات والحلويات والإسراف في شرب القهوة والشاي والمياه الغازية طوال النهار والتدخين أيضاً ، يفاقم المشكلة ، كما يلاحظ أن كثيراً من الناس يتناولون وجبة عشاء دسمة ولا يبذلون بعدها أي مجهود يذكر وينامون بعد ذلك. وبالطبع فإن السعرات الحرارية الناجمة عن هذه الوجبة لا تحرق، ولكن تترسب على هيئة دهون في الجسم .
لذلك يجب تنفيذ وتطبيق المثل الشعبي المعروف الذي يقول : تعشى وتمشى. وهذا يدفعنا إلى التنبيه إلى أهمية ممارسة الرياضة يومياً . وكذلك فإن على الموظفين الذين يقضون ساعات طويلة أمام أجهزة الكمبيوتر أن يتركوا مقاعدهم ويتحركوا في محيط المكان ولو لمدة خمس دقائق.
يجب أن نحرص أيضاً على أن يحتوي طعامنا على الألياف عن طريق تناول الفواكه والخضراوات الطازجة والعصائر الطبيعية والبعد عن العصائر الصناعية لاحتوائها على كميات كبيرة من السكر، بالإضافة إلى المواد الحافظة ومثبتات اللون والطعم والكثير من مركبات الصوديوم التي تعمل على احتفاظ الجسم بالماء.
والمطلوب أيضاً أن نتجنب الدهون الحيوانية كلما أمكن ذلك، ونلجأ إلى استخدام الدهون والزيوت غير المشبعة مثل زيت دوار الشمس وزيت الزيتون وزيت السمك لاحتوائه على أوميغا 3 للتقليل من الكولسترول الضار وزيادة النوع النافع .
وعلينا أيضاً أن نكثر من الحركة بأن نوقف السيارة بعيداً من المكان الذي نقصده ، حتى نضطر للمشي كلما أمكن ذلك وإذا استطعنا ألا نستعمل المصعد، إذا كان الصعود إلى دورين فقط ونتجنب كذلك استخدام الريموت كونترول حتى نتجه إلى التلفزيون من وقت إلى آخر .
واختتم حديثه بالتنبيه إلى أهمية المشي ولو لمدة ساعة يومياً وكذلك الحرص على تناول وجبات الطعام المتوازنة وبكميات قليلة، لأن الإكثار من الطعام حتى لو كان متوازناً سيفسد أي محاولة لإنقاص الوزن ونصح أيضاً بالإكثار من شرب الماء ولو أضيف إليه القليل من عصير الليمون الطازج يكون أفضل .