يغلب على نمط الحياة العصرية قلة الحركة اليومية ، حيث يقضي أغلبية الناس معظم وقتهم في حالة سكون واستقرار إما في المنازل وإما في مكاتب العمل وإما داخل السيارات ، وفي أحيان كثيرة يؤدي الانهماك في العمل إلى بقاء الإنسان جالساً في وضعية معينة لفترات طويلة ، وقد تكون هذه الوضعية غير صحية فينعكس ذلك على العمود الفقري ، فيصاب بالتشوهات المصحوبة بالآلام ، ويضطر الشخص المصاب إلى بدء رحلة طويلة بحثاً عن العلاج الذي يكلفه الكثير من الوقت والمال .
يقول جورج استانبولية مدرب اليوغا ، إن بيدنا الابتعاد عن متاعب البقاء طويلاً في المكاتب دون حركة عن طريق ممارسة ما يعرف برياضة اليوغا المكتبية وهي مجموعة من التمرينات الرياضية الخفيفة التي يمكن لكل منا أن يقوم بها وهو جالس على الكرسي داخل مكتبه دون أن يسبب أي إزعاج للآخرين ، حيث تعتمد على التنفس الصحيح والتمدد البسيط ، لذلك يطلق عليها رياضة تهذيب وتنظيم العقل والجسم .
فعملية تنظيم التنفس تلعب دوراً مهماً في الوصول إلى هدوء الأعصاب وصفاء الذهن ورفع مستوى الطاقة وتحسين الدورة الدموية في ظل شدة التوتر وضغوطات العمل .
ففي تنظيم عملية التنفس ، يتم التركيز على بعض أهم المناطق في جسم الإنسان وهي الرئتان وعضلات المعدة ، وعن طريق التنفس الصحيح والتمدد ، تتم مساعدة الجسم والعضلات على التخلص من السموم والفضلات وتخفيف حدة الضغوطات النفسية والجسدية .
ويؤكد جورج استانبولية أن ممارسة اليوغا المكتبية لبضع دقائق خلال العمل تؤدي إلى تحسين عملية التنفس وتنظيمها والحصول على طاقة أفضل ، والتحكم بحالات الضغط والشدة . وتخفيف آلام الظهر والعضلات ، وتحسين حركة المفاصل وإيجاد تناغم بين الجسم والعقل والعاطفة .
وإذا كان التنفس العميق يحتل المرتبة الأولى في اليوغا المكتبية ، فإن التمدد والاسترخاء يأتي في المرتبة الثانية مباشرة : لأنه يساعد على التخلص من تيبس العضلات الذي يسبب لنا الألم والعصبية ، ولممارسة اليوغا المكتبية يشرح لنا جورج استانبولية ومساعدته لينا الحصري بعض التمرينات البسيطة التي تساعدنا على التنفس العميق والتمدد والاسترخاء.
ويؤكد جورج استانبولية أهمية ممارسة هذه التمرينات وعددها تسعة تمرينات ، كلما شعر الشخص بأن جسده متيبس ، لأن هذه الحركات الرياضية تساعد الإنسان على التناغم مع الجسد وليس التحكم فيه ، فالتناغم يعني تقبل التمرينات الرياضية بيسر وسلاسة ، أما الحكم فيعني إجبار الجسم على القيام بهذه الحركات ، وقد يجد الإنسان صعوبة عند البداية في التمرينات ، ولكن بعد فترة يعتادها ويصل إلى مرحلة التناغم ، وهو يعزز فهم المرء لقدرات جسمه .
التمرين الأول : التنفس العميق
ويعرف هذا التمرين بتمرين التنفس العميق الواعي ، وهو تمرين بسيط نستطيع من خلاله إجراء عملية التنفس العادية بطريقة صحيحة ، بحيث يتم دفع البطن إلى الأمام بالكامل خلال إجراء الشهيق ببطء ، وعند إجراء الزفير ببطء ، أيضاً يتم سحب البطن إلى الداخل بشكل كامل وتكرار ذلك سبع مرات .
التمرين الثاني : التنفس عن طريق الأنف
يعد هذا التمرين امتداداً للتمرين الأول ، حيث يتعلق بالتنفس أيضاً ، فإذا كنا في التمرين الأول نتنفس عن طريق الفم ، ففي هذا التمرين يكون التنفس عن طريق الأنف فقط … وبنفس الكيفية المطبقة في التمرين الأول ، ويتم تكراره سبع مرات أيضاً.
التمرين الثالث : تقوية عضلات الظهر
وكما شرحنا التمرينين الأول والثاني يتعلقان بالتنفس ، في حين أن التمارين الباقية اعتباراً من هذا التمرين تتعلق بالتمدد والاسترخاء .
ويتم تنفيذه خلال الجلوس على الكرسي فيقوم الشخص بوضع الكفين على الركبتين ، ثم يفرد ظهره رافعاً رأسه إلى أعلى ، ودافعاً صدره إلى الأمام وأكتافه إلى الخلف ، ويصاحب ذلك أخذ الشهيق .
ثم يثني ظهره ورقبته إلى الأمام وإلى الأسفل حتى يلامس رأسه ركبتيه ، وخلال ذلك يخرج الزفير ، ويتم تكرار ذلك سبع مرات أيضاً .
التمرين الرابع : المحافظة على مرونة حركة الرقبة
ويستهدف هذا التمرين منطقة الرقبة لكي يحقق لها المرونة وسلاسة الحركة ومنع تكلسها وتيبسها ، ولتنفيذ هذا التمرين نظل على الوضع الذي كنا عليه في التمرين السابق، بحيث تظل الأيدي على الركبتين مع رفع الظهر والرأس إلى أعلى ، وتحريك الرقبة بشكل دائري إلى اليمين سبع مرات ، وإلى اليسار سبع مرات ، ومع أخذ الشهيق عندما يكون الرأس إلى أعلى ، وإخراج الزفير عندما يكون الرأس إلى أسفل خلال التحريك الدائري .
التمرين الخامس تحقيق مرونة الذراعين
وهذا التمرين يعد من تمرينات التمدد أيضاً ، فيجلس الشخص على الكرسي ثم يشبك يديه ويمد ذراعيه إلى الأمام ويرفعهما إلى أعلى الرأس ، ويأخذ الشهيق ، ثم ينزلهما إلى أسفل حتى تلامسا البطن ويخرج الزفير خلال ذلك ، مع تكرار ذلك سبع مرات .
التمرين السادس مرونة الجزء العلوي من الأرجل
وينصب على الأرجل وخاصة الجزء العلوي من الرجل وهو الورك ، بحيث يجلس الشخص على الكرسي ويثني رجله اليمنى ويضع الساق على ركبة الرجل اليمنى بيديه.
ثم يجذبها إلى أعلى مع ثني الرأس إلى أسفل حتى يتلامسا ، ثم يباعد بينهما حتى يصل إلى ما كان عليه الوضع في بداية التمرين ، مع ملاحظة أخذ الشهيق عندما يكون الرأس إلى أعلى ، وإخراج الزفير عندما يكون الرأس إلى الأسفل ، وتكرار ذلك سبع مرات أيضاً .
التمرين السابع مرونة العمود الفقري
ويهدف إلى تحريك العمود الفقري ، بحيث يجلس الشخص على الكرسي وظهره منتصب إلى أعلى ، مع فرد الذراعين بمحاذاة الكتفين ، يثني إلى الأمام ويلف الجذع ، بحيث يضع ذراعه اليمنى إلى جوار رجله اليسرى ، ثم يكرر الوضع إلى الجهة الأخرى ، بحيث توضع الذراع اليسرى إلى جانب الرجل اليمنى ، وتكرار ذلك سبع مرات أيضاً .
التمرين الثامن تنشيط عضلات العينين
ويتعلق بتنشيط عضلات العينين ، فيجلس الشخص على الكرسي ويفرد ذراعه اليمنى إلى الأمام ويغلق أصابع اليد ويفرد إصبع السبابة ويضع اليد إلى الأمام في مستوى نظره ، ثم يحرك اليد إلى أقصى اليمين ويتابعها بنظره أيضاً .
التمرين التاسع مساج الوجه
يتمثل هذا التمرين في عمل مساج لمنطقة أسفل العينين ، ثم للوجه عموماً.
فبالنسبة إلى منطقة أسفل العينين نضع إصبع السبابة على هذه المنطقة ثم نحركها بدءاً من أعلى الأنف ثم إلى الخارج سبع مرات أيضاً . وبالنسبة إلى الوجه بالكامل نفرد راحتي اليدين على الوجه لتغطيته من الجبهة إلى الذقن وفوق الأنف ، ثم نحرك الراحتين إلى الخارج حتى تصلا إلى الأذنين ، وتكرار ذلك سبع مرات . وأخيراً نود القول إن اليوغا المكتبية تتميز ببساطتها وإمكانية تنفيذها داخل المكتب ، وفي ظل الأجواء المكيفة دونما ضرورة للوجود بالخارج .
كما تتضح أهمية اليوغا المكتبية من النتائج المفيدة التي تحققها إذا ما تمت ممارستها لبضع دقائق خلال ساعات العمل ، حيث يؤدي إلى تحسين وتنظيم عملية التنفس بما يستتبعها من الحصول على طاقة أفضل والتخلص من الضغوط النفسية والتوتر .
كما أن تمارين التمدد والاسترخاء تساعد على تخفيف آلام الظهر والعضلات وتحقيق المرونة لحركة المفاصل .
ومن المعروف أن ممارسة اليوغا عموماً تحقق التناغم والتفاهم بين العقل والجسم والعواطف والأحاسيس ، بحيث يشعر الإنسان بالهدوء النفسي .