قضية ” ماء الفتوة” أصبحت قصة خرافية لا يؤمن بها طب القرن العشرين . لأن أولادنا ربما استفادوا من قلب ذي بطارية ، من كليتين جديدتين وشرايين من البلاستيك وأخيراً من ماد الإكسير التي تجدد شبابهم . غير أن الأمر الأخير لن يتحقق قريبا مع أن هذه المادة متوفرة . لذلك فالأبحاث متجهة الآن لاكتشاف مادة جديدة في البروتين يسمونها : الكولاجين .
نعرف جيداً أن الحيوانات تشيخ بأعمار متفاوتة تبعاً لأجناسها . فالفراشة مثلاً لا تعمر أكثر من واحد يوم بينما يعيش الإنسان مقابل ذلك مائة سنة . والكلب إذا بلغ من العمر سبع سنوات أصبح في طول الكهولة بينما لا يزال الإنسان ولدا في هذا العمر .
وهناك أيضاً أفراد من ذرية واحد يشيخون بطرق مختلفة كإنسان بلغ الخمسين من عمره وأخذ يشعر بالتهابات في صدره وبأمراض عصبية يقابله إنسان آخر صحته جيدة وهو في الثمانين.. نستنتج من هذا أن العمر المدون على تذكرة الهوية لا يطابق دائماً ما يسميه العلماء” العمر البيولوجي” وهذا أيضا ما سيفسره لنا ” الكولاجين” الوارد ذكره أعلاه.
لا يستند البحاثون في تحاليلهم على عمر الشرايين وإنما على عمر الكولاجين لأنهم يعتبرونه مصدر الشيخوخة طالما أنه يؤلف نسبة 40 بالمائة من البروتين الكائن في جسمنا .وبهذا يصبح مسؤولاً عن كل ضعف يصيبنا سواء في الأعصاب أو النظر أو تجاعيد الوجه ، مما جعل البروفسور البير ديلوناي، من مؤسسة باستور ، الذي يدرس هذه المادة منذ عدة سنوات ، يردد هذا القول : ” عندما أقف أمام المرآة وانظر إلى التجاعيد في زوايا جفوني ، أفكر في الحياة التي تمر… وأفكر أيضاً في ” الكولاجين” لأن التجاعيد تدلني على اختفائه أو ” نقصان كميته “.
الكولاجين موزع في كل أعضاء الجسم طالما أنه يؤلف نسبة 40 بالمائة من البروتينات وفي هذه الحالة يكون موجوداً في كافة الخلايا وتجدر الإشارة إلى أن هذه المادة متوفرة في الجلد الذي استعمله الأقدمون كثياب لهم ويستعمله المعاصرون في صنع أحذيتهم وقفازاتهم .وإذا وضعنا هذه المادة في الماء وسخناها على النار تصبح صمغا هلاميا، لذا يستعملها الكيماويون في صنع الصمغ .
ومادة الكولاجين متوفرة بكثرة في أجسام الحيوانات وهي يسميها الأطباء أمراض ” الكولاجين” توجد تحت الجلد بشكل طبقة كثيفة ، في العظام والعضلات ، لكن كميتها تخف في القلب والكبد والرئتين .أما نسبة وجودها فهي عادية إلا عند النساء الحوامل إذ تزداد وقت الحمل وتعود إلى حجمها الطبيعي بعد التوليد .
جسور وسلاسل
والآن يبقى أن نعرف كيف توصل العلماء إلى معرفة تكوين الكولاجين وتركيبه . في بادئ الأمر لاحظوا أن الكولاجين يندفع من الجراح إذا أصابت أنسجة لحمية غنية بهذه المادة ! ولهذا بادروا إلى التقاط جرذ وفتحوا جرحا في ظهره ثم أدخلوا تحت الجلد إسفنجة وضبطوها بالملقط . وعلى أثر هذه العملية رأوا أنسجة لحمية تظهر فوق الجرح وتغوص في الإسفنجة بعد مدة سحبوا الإسفنجة وحللوها فعرفوا تركيب الكولاجين والأدوار التي مر بها إلى حين تكوينه وعرفوا أيضاً عتقه لأننا إذا أخذنا قطعا من الإسفنجة بأوقات مختلفة نحصل على كولاجين بأعمار متفاوتة .
وإذا تطلعنا إلى الكولاجين بمنظار مكبر نراه على شكل وتر ملتو كبقية الأوتار التي تؤلف الأنسجة اللحمية . غير أن المنظار الإلكتروني يرينا هذا الوتر مؤلفا من أوتار صغيرة وهذه الأخيرة من ألياف متعددة .
أما من ناحية التركيب الكيمائي فالكولاجين هو بروتين تفرزه خلايا الأنسجة اللحمية ،يتألف من 19 نوعا من الحوامض مرتبطة بعضها بالبعض لكي تؤلف معا سلسلة واحدة .
ومجموع ثلاث سلاسل يؤلف وحدة متكاملة .وهذه الوحدات تتصل ببعضها بواسطة جسور تؤمن لها ارتباطا وثيقاً . وعندما تأخذ هذه الجسور بالضعف يبدأ طور الكهولة في جسم الإنسان.
ومع أن هناك أسراراً كثيرة ما زالت غامضة من ناحية تركيب الكولاجين فإن ما أصبح جلياً الآن هو أن مادة الكولاجين هي قاسم مشترك لعدة أمراض نتعرض لها في حياتنا ،وهو أننا فيها نستطيع أن نمدد العمر البيولوجي .وباستزادتنا من معرفتها وطرق تقويتها نستطيع أن نزيد ذلك العمر.