الضور أو الشراهة المميتة أو الصيام التام عن الطعام ، كلها اعتلالات تؤدي إلى الإضطراب الجسدي والنفسي عند ملايين من النساء الشابات ، وعلاجات هذه الحالات ليست غالباً فعّالة أو متوفرة .
الاضطرابات في النظام الغذائي شائعة جداً وعادة ما تكون مزمنة قبل أن يتم الإفصاح عنها واللجوء إلى طلب المساعدة ، حيث تعاني شابة من بين كل مئة من التضوير العصبي المتعمد Anorexia Nervosa أي التجويع عمداً . في حين تصاب 2 إلى 3 في المئة من الشابات بالضور أو الشراهة المفرطة Nervosa Bulimia وهي حالة تعمد فيها المرأة إلى إلتهام كميات كبيرة من الطعام ، لتقوم بعد ذلك مباشرة بالتخلص من السعرات الحرارية بتقيؤ كل ما أكلته أو الإفراط في استخدام عقاقير الإسهال أو ممارسة الرياضة القاسية جداً .
إضافة إلى المعاناة النفسية الحادة التي تسببها هذه الإضطرابات للمريضة أو المريض وتأثيرها السلبي على عائلتها وأصدقائها فهي تؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة .
فالشراهة المفرطة قد تسبب في تقطيع عضلات المعدة والمريء والتقيؤ المستمر يحرم الجسم من الفيتامينات الأساسية ويولد أحياناً توقفاً في عمل القلب .
أما الإمتناع التام عن الطعام وتجويع الذات فيحمل مضاعفات هخطيرة جداً على المدى الطويل ويؤدي إلى وفاة 7,7 في المئة من اللواتي أصبن بهذا الإضطراب بعد مرور 10 سنوات .
وقد أورد تقرير للبروفسور في علم النفس في جامعة Cornell الأميركية ومديرة عيادة الاضطرابات في العادات الغذائية في مستشفى نيويورك أنه بعد صراع 30 عاماً مع هذه الإضطرابات يلقى 20 في المئة من النساء حتفهن .
بعد أن بينّت الأبحاث أنه بقدر ما تلقى المرأة علاجاً مبكراً وسريعاً بقدر ما تتضاءل احتمالات الإنتكاسة مجدداً ، وتنصبّ الجهود حالياً لاكتشاف أفضل العلاجات حيث تشكل هذه الإضطرابات أمراضاً معقّدة من الدرجة الأولى لأنها تنجم عن مجموعة مترابطة من العوامل البيئية والإجتماعية والبيولوجية . مع هذا توصل العلماء إلى بعض التقدم وأثبتت بعض أنواع العلاجات فائدتها ، خاصة الجيل الجديد من العقاقير المضادة للإنهيار المعروفة بالموانع الإنتقائية لإعادة امتصاص هورمون السيروتونين SSRI . وبحسب البروفسور في جامعة بنسلفانيا روبرت بركويتز فإن هذا العلاجات تبدو واعدة على الرغم من أن الطريق ما زال طويلاً لفهم ماهية هذه الأمراض يدرك العلماء أن عوامل اجتماعية متعددة تساهم بقوة في تطوير الاضطرابات في عادات الغذاء ، وأن أغلب النساء اللواتي يشكين من الشره والضور العصبيين يزاولن مهنة أو نشاطاً يتطلب مقاسات معينة في الجسم مثل الرقص وعرض الأزياء أو التمثيل ، كذلك الأمر بالنسبة للرجال الذين يزاولون المصارعة الحرة أو الركض .
من ناحية أخرى تساهم الوسائل الإعلامية بشكل كبير في التأثير على الصورة التي يكونها الناس عن أنفسهم إلى درجة غدت معها النحافة من الرموز المثالية للجمال .
ويشير بيركوتيز في هذا المجال أنه لهذا السبب نجد النساء يشكلن نسبة 90 في المئة من ملايين الأشخاص الذين يصابون سنوياً بهذه الاضطرابات .
تبدأ معظم النساء بتطوير هذا الاضطراب مع اقترابهن من سن البلوغ ، وترد الطبيبة إيستيران غرايس في مستشفى الأطفال في بوسطن هذا السبب إلى شعور الفتاة في هذا العمر بالإمتلاء والسمنة فجأة ، فتبدأ بالتساؤل ما خطبها . أما الطبيب موريس شنايدر من مشفى جامعة نورث شورفيشير إلى أن الإهتمام لا ينصب على فئة الأعمار هذه ولكن الاضطرابات في العادات الغذائية غالباً ما تصيب الفتيات من سن 10 – 11 و 12 عاماً وتؤخر من نموهن وبلوغهن .
البلوغ هو مرحلة عصبية خاصة إذ ترافقت مع أحداث تؤثر على نفسية المراهقة . وتوضح الطبيبة غرايس أن المصاب بالضور هو إنسان يخشى دائماً من فقدان السيطرة على الأمور ، وتضيف أن معظم الناس يميلون إلى الإفراط في الطعام أو فقدان الشهية عندما يمرّون في مرحلة من الإجهاد ، وهنا تلعب العوامل البيولوجية والنفسية دورها فيتجاوز بعض الأشخاص الحدود .
وتصف غرايس المصاب بالضور بأنه شخص يهوى الكمال وعادة ما يكون تلميذاً متفوقاً أو رياضياً متميزاً ، أما أصحاب الشره فهم من المغامرين ذوي السلوك المندفع أو المتهور ، وتربط غرايس بين هذه الحالات وبين الإنهيار والقلق والاضطرابات التواترية الهوسية ، وهي أمراض تتوارثها بعض العائلات وهي ذات صلة بخلل في وظيفة الجهاز العصبي الذي ينظم إنتاج الناقل العصبي السيروتونين .
تكمن العقبة الأولى في علاج اضطرابات الأكل في جعل المريض يعترف بأن يعاني من مشكلة .
فأصحاب الشره الهوسي يتمتعون عادة بوزن طبيعي ويخفون كل ما يخص عادتهم السيئة في التقيؤ والتخلص من الطعام ، لذا يصعب التعرف عليهم . أما بالنسبة للمصابين بالضور فالتعرّف عليهم سهل جداً بسبب نحافتهم المفرطة ، لكنهم آخر من يمكن إقناعه بقبول المساعدة لأن حوافزهم للشفاء هي أقل بكثير مقارنة مع مرض الشره ، ذلك لأن التضور من الجوع يمنح هذه الفئة من المرضى إحساساً على حياتهم والتحكم بها . وهو شعور إيجابي لا يتخلون عنه بسهولة .
أهم جزء في العلاج هو التوصل إلى تبديل طريقة التفكير ، وقد أثبت العلاج السلوكي الإدراكي Cognitive behavioral therapy CBT نجاحه في بلوغ هذه الغاية ، وهو يشتمل على ثلاثة عناصر رئيسية : احتفاظ المريض بيومياته حول الأطعمة التي يتناولها ، تدوين ملاحظاته حول كيفية إحساسه عند تناول هذا الطعام أو ذاك ، وتسجيل الأحداث التي قد تدفعه للأكل .
يساعد هذا العلاج المرضى في تحديد قتاعاتهم الخاطئة حيال أنفسهم ( الإعتبار بأنهم يعانون من السمنةالمفرطة مثلاً ) ويقوم المعالج بمساعدة المريض على تسجيل لائحة بالإثباتات التي تدعم نظرته والأخرى التي تبرهن عدم صوابيتها ، وبعدها يعمد إلى تصحيح هذه الأفكار وإقناع المريض بعدم منطقية تفكيره وبأن مجرد قطعة حلوى مثلاً ستقلب حياته رأساً على عقب .
على المريض في هذا النوع من العلاج أن يتبع بعض الخطوات الإستراتيجية كالتخلص من آلة الميزان وتجّنب النظر إلى المرآة .
يقوم الباحثون في جامعة ستافورد بالتعاون مع زملائهم في جامعتي مينوزيتا ونورث داكوتا بمقارنة معدلات الإنتكاسة عند المرضى الذين خضعوا العلاج ال CBT أو البروزاك ( عقار جيل SSRI ) أو الإثنين معاً . وللأسف كشفت الأبحاث عن معدلات مرتفعة ، غير أنها لاحظت فعالية ” البروزاك ” على الأقل في إيقاف خسارة الوزن ، ولأن معظم النساء اللواتي يشكين من التضور يعانين أيضاً من الإنهيار العصبي في شكل من الأشكال ، فقد ساعد الجيل الجديد من الموانع الإنتقائية لإعادة امتصاص هورمون السيروتونين SSRI في تخفيف حدة هذه الأعراض ، كما أثبت عقار ” البروزاك ” فعاليته في علاج الشره من النوع الاضطرابي المعاكس للتضور ، خاصة عند إتباعه بموازاة العلاج السلوكي الإدراكي CBT .
من شأن العلاجات الحديثة للإضطرابات في العادات الغذائية مساعدة الملايين من المراهقين شرط أن يتم التعرف إليهم ، والتحدي الأكبر الذي يواجهه المعالجون اليوم يكمن في أن المريض لا يطرق بابهم إلا عندما تسوء حالته ويصل إلى شفير الموت وعندها يكون بحاجة إلى علاج طويل الأجل يمكنه من استعادة 90 في المئة من الوزن الطبيعي .
من ناحيتها تحذّر الطبيبة ديبرا كاتزمان في مستشفى تورنتو للأطفال من مغبّة إهمال علاج هذه الاضطرابات في مرحلة مبكرة ، مثيرة إلى أن صور الرنين المغناطيسي MRI للمريضات قبل وبعد علاج الإضطرابات الغذائية بينّت أن حجم المادة الرمادية في الدماغ بقي متقلصاً حتى بعد العلاج وبعد استعادة المرضى المراهقين لوزنهم .
يضاف إلى هذه المضاعفات التي تم التنبه إليها حديثاً مضاعفات أخرى وخطيرة في نمو الهيكل العظمي عند الأطفال الذين عانوا من سوء التغذية نتيجة هذه الإضطرابات ، وتؤكد الطبيبة غريس أن العظام يكتمل نموها في العقد الثاني من العمر ، وهو العمر الذي تنتشر فيه هذه الاضطرابات بكثرة بين المراهقين والمراهقات ، الأمر الذي يعرضّهم إلى ترقق العظم المبكر . وتفقد الشابات في السادسة عشرة من العمر نسبة 25 في المئة من كثافة العظام حتى ولو لم تستمر اضطراباتهن الغذائية لفترة طويلة .
وأسوأ ما في الأمر أن الأدوية التي تستخدم لعلاج ترقق العظام في مراحل الشيخوخة لا تنفع في مرحلة الشباب . وتوضح الطبيبة غريس أن هورمون الأستروجين لا يؤثر على عظام المرأة في مرحلة المراهقة ، ولهذا السبب فهو مضيعة للوقت .
كل هذا يعيدنا إلى مفهوم الوزن المثالي للمرأة ونظرتها الخاطئة إلى الأمور . ربما وجب عليها إعادة النظر في مفاهيمها للجمال والتخلي عن فكرة إنقاص المزيد من الوزن لإرضاء بعض طموحاتها سواء كانت على صعيد العمل أو على الصعيد الإجتماعي ، والتفكير ملياً بصحتها .