كتاب جديد حول الحمية الغذائية يلقى رواجاً واسعاً حول إماكانية تسبب الأطعمة الغنية بالكربوهيدرائيات ” النشويات كالجزر والبطاطا والطحين والأرز .. ” بالسمنة . فهل هذا الكتاب هو مفتاح إنقاص الوزن ؟ وما هي حجج مؤلفه ؟
إذا كان هناك منطقة في العالم يحتاج أهلها إلى حمية فهي ولاية نيو أورليونز الأميركية التي سجلت أعلى معدل للسمنة في الولايات المتحدة بلغ 37,5 في المئة . سكان هذه الولاية يتهافتون اليوم على قراءة كتاب حمية جديدة لأحد أبنائها ليتون ستيوارد ، أعدّه بالتعاون مع ثلاثة أطباء محليين بيع منه نهاية الصيف الماضي 210 آلاف نسخة .
فماذا يقول هذا الكتاب الذي اختار له مؤلفة عنوان “ Sugar Buster “ والذي دخل كل مطعم وكل سوبر ماركت في نيو أورليونز ؟
يقول ستيوارد في مقدمة كتابه : ” لو قيل لي ، أنا البالغ من العمر 63 عاماً وليس لي ثقافة طبية عميقة وبعيد كل البعد بسبب مهنتي في مجال البترول عن الحميات الغذائية ، بأني سأؤلف كتباً حول الحمية يضاهي في مبيعاته قصص ال Best seller ، لخلت أن من يحدثني مجنون ” . أما كتابه فهو أحدث حلقة من سلسلة الكتب الغذائية التي تنمي لدى الشعب الأميركي الرهبة من كل ما يشكل مصدراً للكربوهيدرائيات وهو مجموعة من الفرضيات بدأ ستيوارد بتحليلها في إحدى الليالي وهو يشاهد شاشة التلفزيون بعد أن كان مازال يتابع حمية غذائية اقتصرت على تناول اللحوم والبيض أنقصت وزنه 12 كيلوغراماً .
يقول ستيوارد : كنت أتناول عدداً أكبر من السعرات الحرارية ومع هذا كان وزني ينخفض فبدأت أتساءل عن السبب ورحت أقرأ المزيد عن السكر في الدم ال Glucose وعلاقته بالأنسولين هذا الهرمون المهم الذي يفرزه البنكرياس . وخلصت إلأى نتيجة حوهرية سهت عن بال العلماء والأطباء على السواء أو لنقل تجاهلوها ولم يعطوها حقها من الدراسة والاهتمام .
عندما نتناول الكربوهيدرائيات أو السكريات من مصادرها كالفواكه والخضار والخبز والمعجنات يبدأ معدل مستوى السكر بارتفاع في الدم ولكن قبل أن يتم استخدام هذا السكر كمولد للطاقة في جسم الإنسان عليه أن يمر في الكبد ، في الخلايا الدهنية وفي خلايا العضلات ، حيث يأتي دور هرمون الأنسولين الذي يحركه نحو هدفه ألا وهو تحويله إلى طاقة . لكن لهذا الهرمون دور ثانوي آخر وهو الحفاظ على توازن العمل ، إذ يتلفّف من الكبد إنتاجه من الدهون ويحملها إلى الأعضاء التي تحتاجها كالكتفين والردفين والبطن . ففي حين يشك معظم العلماء في هذا الدور للأنسولين ، توصّل ستيوارد إلى هذه الخلاصة وهي : ” أن الأنسولين يجعل المرء سميناً ” .
وتقوم نظرية كتابه Sugar Buster على تناسي أمر السعرات الحرارية وعدم تحميلها مسؤولية زيادة الوزن بل توجه إصبع الإتهام إلى الكربوهيدرائيات المعروفة بأنها ترفع معدل السكر في الدم وبالتالي تضاعف الحاجة إلى الأنسولين . والمحفزات في الواقع لا تقتصر فقط على قطعة السكر . فالطحين الأبيض والأرز الأبيض ومعظم المعجنات . كذلك بعض الخضار المموهة كالبطاطا والذرة والجزر والشمندر تدخل بالتأكيد – كما ينص عليه الكتاب – ضمن قائمة الممنوعات لأنها غنية بالسكر الطبيعي وفقيرة بالألياف لذا تمتصها الأمعاء بسهولة وتتحول سريعاً إلى غلوكوز في الدم . وينصح ستيوارد الأشخاص الذين يتبعون حمية غنية بالكربوهيدرائيات بتناول الأنواع الغنية بالألياف لأن امتصاصها يتم بطريقة بطيئة كالفاصوليا والبازيلا والفواكه الحمضية والتفاح .
ولأن البروتينات والدهون لا ترفع سكر الدم بالقدر الذي ترفعه السكريات ، يسمح البرنامج الغذائ ي للكتاب بكميات كبيرة من اللحوم ومشتقات الحليب والبيض .
ويوصي ستيوارد في كتابه مثلاً بتناول موس الشوكولا المصنوعة من خمس بيضات ونصف كوب من الكريما الدسمة . كما تقدم المطاعم التي تتبع وصفاته الفانيليا الممزوجة بالجبنة الزرقاء وسلطة لحم الخنزير .
المواقف من الكتاب
يعترف ستيوارد بأن بعض استراتيجيات خسارة الوزن الواردة في كتابه هي نظرية وغير تطبيقية ، ولكن العلماء أقل رحمة في انتقادهم لهذا الكتاب . ” إنه مجرد خزعبلات ” هذا ما يصفه به البروفسور جيرالد ريغان من جامعة ستانفورد ، والذي كان منذ سنوات أول باحث يتطرق إلى تأثير الكربوهيدائيات على سكر الدم مؤكداً ” أن كل المعلومات الواردة في الكتاب ليست مثبتة إطلاقاً من الناحية العلمية ” مع التشديد على أنه ” حتى لو افترضنا أن الأنسولين يساعد على تكوين الدهون – وهي فرضية مرفوضة – فإن معظم الأشخاص لا يفرزون أكثر من الكمية التي يحتاجونها من هذا الهرمون ” . ويوضح ريغان هذا المبدأ بقوله : إن الجسم يقوم بعمليات الأيض وتحويل الغلوكوز بنجاح وبطريقة سليمة جداً وهو لا يستهلك سوى كمية ضئيلة من الأنسولين ناهيك عن أن استبدال أحد مصادر الكربوهيدرائيات بأخرى –كالفاصوليا عوضاً عن البطاطا كما يشير الكتاب – لا يدؤي إلى تخفيض معدل الأنسولين تخفيضاً ملموساً كما يتم الادّعاء .
وتشير الدراسات إلى أن بعض الأشخاص يعانون من ارتفاع مزمن في كميات هرمون الأنسولين في الدم وهي حالة تعرف ” بمقاومة الأنسولين ” ويصاب العديم ممن يشكون من هذا التناذر بالسمنة . ولكن هذا لا يعني أن هذا المرض ناجم عن تناول كميات كبيرة من البطاطا وعلى عكس ما يدعى كتاب Sugar Buster بأن السمنة هي نتيجة الإصابة بمقاومة الأنسولين فإن العديد من الخبراء والأخصائيين يعتقدون العكس تماماً .
يقول خبير التغذية توماس وولوفير من جامعة تورنتو بعد دراسة قام بها حول تأثير مختلف الأطعمة على سكر الدم إن الشراهة في الأكل وعدم ممارسة التمارين تؤدي إلى السمنة التي تسبب بدورها رفع مستوى الأنسولين وليس العكس . ومن غير الوارد أن يستبعد أي عالم دور السعرات الحرارية كما ينادي بذلك المؤلف ستيوارد . وفي هذا الشأن يقول ريغان : إننا نسمن بسبب تناولنا المزيد من الكربوهيدرائيات ، هذا صحيح ، ولكن السبب هو استهلاك الكميات الكبيرة من السعرات الحرارية الموجودة فيها .
ما يثير التهكم هو أن الكتاب رفق البرنامج الذي يوصي به يسمح ب 1200 سعرة حرارية يومياً . ولعل هذا ما يشكل سر الكتاب . فهو كما يبين عدد السعرات يعتمد حمية ضئيلة بالسرعات الحرارية مع بعض التمويه ، كما يركز على تناول الأطعمة الغنية بالألياف .
غير أن الجانب السيىء من هذه الحمية هو تعويلها الكبير على اللحوم والمشتقات الدسمة للحليب من دون تحديد أية نسبة أو معدلات الأمر الذي ينذر بمشاكل صحية لا تخلو من الخطر كانسداد الشرايين بسبب الدهون المشبعة وخسارة العديد من الفيتامينات والمعادن المهمة بسبب الإقلاع عن الخضار والفواكه الغنية بالكربوهيدرائيات .
في الختام ، مهما كثرت وصفات الحمية وراجت يبقى على الذي يرغب بتخفيض وزنه ، ومراقبة السعرات الحرارية التي تناولها ، تخفيف الدهون ومزاولة المجهود البدني والتمارين وهي من البديهات التي لا يختلف عليها اثنان .